responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 152
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 181]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
الضَّمَائِرُ الْبَارِزَةُ فِي (بَدَّلَهُ وسَمعه وإثمه ويبدلونه) عَائِدَةٌ إِلَى الْقَوْلِ أَوِ الْكَلَامِ الَّذِي يَقُولُهُ الْمُوصِي وَدَلَّ عَلَيْهِ لفظ الْوَصِيَّةُ [الْبَقَرَة: 180] ، وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَمِعَهُ إِذْ إِنَّمَا تُسْمَعُ الْأَقْوَالُ وَقِيلَ هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْإِيصَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: الْوَصِيَّةُ أَيْ كَمَا يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْفِعْلِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: 8] ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا إِلَى بِالْمَعْرُوفِ [الْبَقَرَة: 180] ، وَالْمَعْنَى فَمَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّةَ الْوَاقِعَةَ بِالْمَعْرُوفِ، لِأَنَّ الْإِثْمَ فِي تَبْدِيلِ الْمَعْرُوفِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي:
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الْبَقَرَة: 182] .
وَالْمُرَادُ مِنَ التَّبْدِيلِ هُنَا الْإِبْطَالُ أَو النَّقْص وَمَا صدق (مَنْ بَدَّلَهُ) هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ خَاصَّةِ الْوَرَثَةِ كَالْأَبْنَاءِ وَمِنَ الشُّهُودِ عَلَيْهَا بِإِشْهَادٍ مِنَ الْمُوصِي أَوْ بِحُضُورِ مَوْطِنِ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ [الْمَائِدَة: 106] فَالتَّبْدِيلُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّبْدِيلِ جَعْلُ شَيْءٍ فِي مَكَانِ شَيْءٍ آخَرَ وَالنَّقْضُ يَسْتَلْزِمُ الْإِتْيَانَ بِضِدِّ الْمَنْقُوضِ وَتَقْيِيدَ التَّبْدِيلِ بِظَرْفِ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ تَعْلِيلٌ لِلْوَعِيدِ أَيْ لِأَنَّهُ بَدَّلَ مَا سَمِعَهُ وَتَحَقَّقَهُ وَإِلَّا فَإِنَّ التَّبْدِيلَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ مَسْمُوعٍ إِذْ لَا تَتَوَجَّهُ النُّفُوسُ إِلَى الْمَجْهُولِ.
وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّما إِثْمُهُ إِضَافِيٌّ، لِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنِ الْمُوصِي وَإِلَّا فَإِنَّ إِثْمَهُ أَيْضًا يَكُونُ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ مَا يَجْعَلْهُ لَهُ الْمُوصِي مَعَ عِلْمِهِ إِذَا حَابَاهُ مُنَفِّذُ الْوَصِيَّةِ أَوِ الْحَاكِمُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَقَدْ
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ»
، وَإِنَّمَا انْتَفَى الْإِثْمُ عَنِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ اسْتَبْرَأَ لِنَفْسِهِ حِينَ أَوْصَى بِالْمَعْرُوفِ فَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ فِي مُخَالَفَةِ النَّاسِ بَعْدَهُ لَمَا أَوْصَى بِهِ، إِذْ أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى [النَّجْم: 38- 39] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ إِبْطَالُ تَعَلُّلِ بَعْضِ النَّاسِ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ بِعِلَّةِ خِيفَةِ أَلَّا يُنَفِّذَهَا الْمَوْكُولُ إِلَيْهِمْ تَنْفِيذُهَا، أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالْإِيصَاءِ وَوُجُوبُ التَّنْفِيذِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى نَاظِرِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ بَدَّلَهُ فَعَلَيْهِ إِثْمُهُ، وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ أَي هَذَا التَّبْدِيلَ يَمْنَعُهُ الشَّرْعُ وَيَضْرِبُ وُلَاةُ الْأُمُورِ عَلَى يَدِ مَنْ يُحَاوِلُ هَذَا التَّبْدِيلَ لِأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُقَرِّرُ شَرْعًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 152
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست